منظومة تكنولوجيا المعلومات
(منظور ثقافي عربي)
اولا: تاريخ
وجيز لتكنولوجيا المعلومات:
بعد ان نجح الانسان في صنع الته البخارية والكهربائية لتنوب عنه
"عضليا" سعي الي بناء الة تخفف عنه "عقليا" وقد شهد القرن
التاسع عشر محاولات عدة لبناء الة حاسبة، تعمل بعناصر ميكانيكية من التروس
والروافع وما شابه. الا ان هذه المحاولات لم تكلل بالنجاح بسبب عدم توافر الاسس
العلمية وربما ايضا بسبب ان هناك تناقض بين ميكانيكية العناصر وصلابتهاورهافة
المعلومات وسيولتها وما ان توافرت هذه الاسس العلمية والوسيلة التكنولوجية
المناسبة لبناء تلك الالة الحاسبة، حتي تحقق الحلم المنتظر في نهاية اربعينات
القرن العشرين، وخرج الي الوجود الكمبوتر الرقمي digital computer ثمرة
لالتقاء علوم الفيزياء والرياضيات المنطقية والهندسة الالكترونية.
ثانيا: المكونات
الرئيسية الثلاثة لتكنولوجيا المعلومات:
1. ولنبدا هنا بشق العتاد حيث تمثل النقلات النوعية من
الكمبيوتر الضخم الي الميني ثم الي الميكرو،
ابرز ملامح تطور عتاد الكمبيوتر. كان الفيصل في احداث هذا التطور الهائل هو العنصر
المستخدم في بناء ذاكرة الكمبيوتر ووحدة معالجته التي تقوم بالعمليات الحسابية
والمنطقية.
2. اما فيما يخص مسار تطور البرمجيات، فقد استخدم الكمبيوتر
في "عصره الحجري" كالة حاسبة ضخمة لمعالجة البيانات واقتصرت تطبيقاته
علي المجالات الادارية والتجارية، كسجلات الافراد واستخراج قوائم المرتبات وكشوف
الحسابات وخلافه، وقد تطور الكمبيوتر بعد ذلك ليصبح الة لمعالجة المعلومات، ومن امثلة
تطبيقات معالجة المعلومات ( نظم دعم القرار ــــــ بنوك المعلومات ــــــ الخرائط
العلمية ).
3. اما علي جبهة الاتصالات، فكانت النقلة النوعية في
استخدام الالياف النحيلة للغاية، وذات السعة الهئلة لنقل البيانات التي تفوق سعة
اسلاك النحاس الاغلظ بعشرات بل بمئات الالاف من المرات. نستخلص ان الفكرة الذهبية
وراء تطور شق الاتصالات تكمن في استخدام التدفق الضوئي النقي ذي السعة العالية،
بدلا من التيار الكهربي محدود السعة.
4. واخيرا حلت بنا شبكة الانترنت تتويجا لهذا الاندماج بين
مكونات العتاد والبرمجيات والاتصالات وكغيرها من شبكات المرافق الاخري، توارت عن
الانظار تلك المكونات المندمجة في اطارها، ليظهر للعيان ما ينتقل خلال الشبكة، اي
المعلومات السارية في جنباتها، لقد اصبح الانترنت نافذة الانسان علي عالمه الصاخب
المطرب ووسيطه الجديد الذي يري من خلاله الواقع ويتعامل معه ويمارس فيه عن بعد.
ثالثا: عن فضل
"التصغير و الرقمنة" الطرح العام:
1. تحقيق المعادلة الصعبة: نجحت تكنولوجيا المعلومات، وربما لاول مرة في تحقيق المعادلة الصعبة ونعني
بذلك نجاحها في ان تجمع بين الاكفا والاعلي قدرة، وبين الارخص والاكثر سهولة في
الاستخدام، لقد ارتقت نظم المعلومات علي جبهات عدة من زيادة سرعة تنفيذ العمليات
الحسابية والمنطقية، الي زيادة سعة التخزين للوسائط الالكترونية ومن زيادة كفاءة
ملحقات الطباعة وشاشات العرض ومولدات الصور الي زيادة امكانات لغة البرمجة
الراقية، بل زادت سهولة استخدامها حتي اصبحت في متناول الاطفال من محدودي التعليم
وخير شاهد علي ذلك سهولة استخدام جهاز التلفزيون او الهاتف النقال.
2. عن فضل التصغير: شمل التصغير كل شئ مثل سعة تخزين لقرص الليزر قرص السي دي ان يسع ما يوازي
الف كتاب بحجم القران الكريم وعما قريب خمسة عشر الف كتاب في مثل حجم القران
الكريم وطابعات في حجم علبة الكبريت وعما قريب سوبر كمبيوتر في حجم راحة الكف.
3. عن فضل الرقمنة: من اهم انجازات تكنولوجيا المعلومات اسقاط الحواجز الفاصلة بين انساق
الرموز المختلفة من نصوص واصوات وانغام واشكال وصور ثابتة ومتحركة. يرجع الفضل في
ذلك الي تكنولوجيا الرقمنة التي نجحت في تحويل جميع هذه الانساق الرمزية الي سلاسل
رقمية قوامها "الصفر والواحد" حتي تتالام مع نظام الاعداد الثنائي اساس
عمل الكمبيوتر وتقوم الرقمنة علي مفهوم بسيط مفاده: امكان تحويل جميع انواع
المعلومات الي مقابل رقمي فحروف الالفباء التي تصاغ بها الكلمات والنصوص يعبر عنها
باكواد رقمية تناظر هذه الحروف رقما بحرف، والاشكال والصور يتم مسحها الكترونيا
لتتحول الي مجموعة هائلة من النقاط المتراصة والمتلاحقة.
رابعا: عن فضل
"التصغير و الرقمنة" المنظور العربي:
1. عن انخفاض الكلفة: لا شك في ان انخفاض كلفة تكنولوجيا المعلومات كان عاملا حاسما في سرعة
انتشارها واتاحتها لقاعدة كبيرة من المستخدمين. الا ان قدرا لا يستهان به من هذه
الميزة الاقتصادية يضيع بسبب تسارع دورة الاهلاك غير الفني، حيث يستغني عن
المنتجات لا بسبب عدم صلاحيتها بل لظهور طرازات احدث واكفا وارخص ثمنا.
2. عن سهولة الاستخدام: هي الاخري سلاح ذو حدين مثل الصناديق السوداء التي لا نستطيع فهم اسرارها
الا من قام بتصنيعها وكم مرة استدعينا خبراء الصيانة والاصلاح الاجانب ودفعنا لهم
المبالغ الطائلة مقابل قيامهم باتفه الاعمال التي استعصت علينا لعدم حوزتنا علي
مفاتيح تلك الصناديق.
3. فيما يخص الرقمنة: تعد الرقمنة احد المطالب الفنية الاساسية للمحافظة علي تراثنا العربي،
الثابت والمنقول، المكتوب والشفهي. وستزداد اساليب الرقمنة تعقيدا وكلفة، وربما
نضطر، بسبب ذلك، الي مقايضة بعض كنوز تراثنا مقابل حصولنا علي خدمات الرقمنة تلك.
خامسا: العناصر
الداخلية لمنظومة تكنولوجيا المعلومات:
1. عنصر العتاد: وينقسم الي فرعين اساسين هما "الكمبيوتر وملحقاته" ومن توجاهته
(نحو الاصغر والاسرع والارخص والاسهل استخداما) و (من المركزية والتلاحق الي
اللامركزية والتوازي ويقصد بها قيام الكمبيوتر بعمليات حسابية ومنطقية في الوقت
نفسه) و (ما يحتاج اليه المستخدم هو كمبيوتر شبكي يتسم بالبساطة بدون وحدات تخزين
او برامج تشغيل معقدة) و (نحو ملحقات طرفية اكثر تنوعا وكفاءة تتجاوز لوحة
المفاتيح والفأرة).
2. عنصر البرمجيات: هي اي شئ غير مادي فلا تقتصر علي برامج الكمبيوتر بلا تشمل المخططات
والتصميمات وتنقسم الي ثلاث فروع هي (برمجيات التحكم في تشغيل الكمبيوتر وشبكات
الاتصالات ــــــ ادوات برمجية ــــــ البرامج التطبيقية).
3. عنصر الاتصالات: يتعاظم دور عنصر الاتصالات داخل منظومة تكنولوجيا المعلومات من كونه عنصرا
مكملا الي كونه شريك وقد حولته شبكة الانترنت من وسيلة اتصال الي وسيلة نقل
المنتجات والثقافات، ومن اهم توجهات عنصر الاتصالات (الانتقال من كابلات النحاس
الي الالياف الضوئية) و (انتشار المعدات النقالة من هواتف محمولة وحواسيب جيب الي
كتب ومذكرات الكترونية) و (اندماج خدمات الهواتف مع خدمات الفاكس والبريد
الالكتروني) و (خصخصة مؤسسات الاتصالات الوطنية).
سادسا: علاقة
منظومة تكنولوجيا المعلومات بخارجها "المنظور العربي":
1. علاقة منظومة تكنولوجيا المعلومات بالمنظومة السياسية: سيودئ ذلك الي مزيد من تدخل الحكومة من اجل السيطرة علي
جماهيرها خاصة ان الانترنت توفر الوسائل العملية الفعالة لاحكام هذه السيطرة، حيث
تسجل للمواطنين مواقعهم وافعالهم لتكشف بالتالي عن اهوائهم السياسية والفكرية مما
يجعلهم اكثر عرضة لهذه الرقابة الالكترونية التي لاتغفو لها عين.
2. علاقة منظومة تكنولوجيا المعلومات بالمنظومة الاقتصادية: ان المعلومات موردا حيويا مساندا لجميع الانشطة
الاقتصادية وادي الي زيادة الانتاج.
3. علاقة تكنولوجيا المعلومات بالفئات الاجتماعية: هناك من يقول ان الانترنت بإتاحته المعلومات والمعرفة
للجميع علي حد سواء سوف توفر مناخا افضل لتحقيق العدالة الاجتماعية وتمنح فرصا
متكافئة في التعليم.
سابعا:
التوجهات الرئيسية للانترنت:
1. من المنتدي العلمي الي سوق التجارة الالكترونية: لقد
سيطرت التجارة الالكترونية علي الانترنت واصبحت بنيتها الاساسية رهنا بما يقدمه
تجارها من دعم في صورة اعلانات مباشرة او غير مباشرة.
2. من تبادل البحوث الي تسليع الثقافة: كما هو معروف تقوم
صناعة الثقافة علي ثلاثة مقومات رئيسية هي المحتوي الذي يمثل مواد التصنيع
المعلوماتي ومعالجة المعلومات التي تمثل ادوات الانتاج وشبكات الاتصالات التي تمثل
قنوات التوزيع واهم مقوم من الثلاثة هو المحتوي.
3. نحو مزيد من الاندماج صوب الاحتكار: لابديل لتكامل
معلوماتي اعلامي عربي يقوم علي حشد الامكانات والمشاركة في الموارد المعلوماتية من
اجل مواجهة التكتلات العملاقة والتصدي للنزعة الاحتكارية.
4. من النصوص الي التناص ومن الخطية الي التشعب: اتاحت
تكنولوجيا معالجة النصوص الي الربط بين الالفاظ والجمل والفقرات وقارنت بينهما من
حيث كونهما صرفية ونحوية وتركيبية.
5. من الاستاتي الي الدينامي: في البداية كان تبادل
المعلومات عبر الانترنت من خلال تبادل الملفات والوثائق ذات الطابع الاستاتي ومع
ارتقاء الشبكة فنيا ساد الطابع التفاعلي او الدينامي.
6. من الباحث البشري الي الوكيل الالي الذكي.
7. من الواقع الي الخائلي: يزداد استخدام مفهوم الخائلية
يوما بعد يوم في دنيا الانترنت.
ثامنا: موسم الهجرة الي "الخيال":
الخائلية: نعني به هنا كل ما يحاكي الواقع او يناظره الي درجة يخيل لنا معها انه
واقع، ونعني به ايضا ما يتجاوز هذا الواقع لكنه وعلي الرغم من تجاوزه يؤخذ ماخذ
الواقعي ويتعامل معه علي انه في حكم الفعلي القائم، في ظل هذا التعريف فصورة
المرآة خائلية لتناظرها مع الواقع، والافلام السينمائية التي تحاكي الواقع هي نوع
من الخائلية.
تعليقات
إرسال تعليق